فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ بالله} أي صدقوا بوحدانية الله تعالى: {واعتصموا بِهِ} أي تمسكوا بدينه {فَسَيُدْخِلُهُمْ في رَحْمَةٍ مَّنْهُ} يعني الجنة {وَفَضَّلَ} أي الثواب {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ} أي يرشدهم إلى دينه، ويوفقهم لذلك.
وفي الآية تقديم وتأخير فكأنه يقول: يهديهم في الدنيا {صراطا مُّسْتَقِيمًا} أي دينًا لا عوج فيه، ويثيبهم على ذلك ويدخلهم في الآخرة في رحمة منه وفضل وهو الجنة والكرامة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ بالله واعتصموا بِهِ} أي بالقرآن عن معاصيه، وإذا اعتصموا بكتابه فقد اعتصموا به وبنبيه.
وقيل: {اعتصموا بِهِ} أي بالله.
والعصمة الامتناع، وقد تقدّم.
{وَيَهْدِيهِمْ} أي وهو يهديهم؛ فأضمر هو ليدل على أن الكلام مقطوع مما قبله.
{إِلَيْهِ} أي إلى ثوابه.
وقيل: إلى الحق ليعرفوه.
{صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} أي دينا مستقيمًا.
و{صِرَاطًا} منصوب بإضمار فعل دل عليه {وَيَهْدِيهِمْ} التقدير؛ ويعرّفهم صراطًا مستقيمًا.
وقيل: هو مفعول ثان على تقدير؛ ويهديهم إلى ثوابه صراطًا مستقيمًا.
وقيل: هو حال.
والهاء في {إلَيْهِ} قيل: هي للقرآن، وقيل: للفضل، وقيل: للفضل والرحمة؛ لأنهما بمعنى الثواب.
وقيل: هي لله عز وجل على حذف المضاف كما تقدّم من أن المعنى ويهديهم إلى ثوابه.
أبو عليّ: الهاء راجعة إلى ما تقدّم من اسم الله عز وجل، والمعنى ويهديهم إلى صِراطه؛ فإذا جعلنا {صِراطًا مستقيمًا} نصبًا على الحال كانت الحال من هذا المحذوف.
وفي قوله: {وَفَضْلٍ} دليل على أنه تعالى يتفضل على عباده بثوابه؛ إذ لو كان في مقابلة العمل لما كان فضلًا. والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

و(أمّا) في قوله: {فأما الذين آمنوا بالله} يجوز أن يكون للتفصيل: تفصيلًا لِمَا دَلّ عليه {يا أيها الناس} من اختلاف الفرق والنزعات: بين قابل للبرهان والنّور، ومكابر جاحد، ويكون مُعادل هذا الشقّ محذوفًا للتهويل، أي: وأمَّا الذين كفروا فلا تسل عنهم، ويجوز أن يكون (أمّا) لمجرد الشرط دون تفصيل، وهو شرط لِعموم الأحوال، لأنّ (أمّا) في الشرط بمعنى (مَهما يكُنْ من شيء) وفي هذه الحالة لا تفيد التفصيل ولا تطلب معادلًا.
والاعتصام: اللوْذ، والاعتصام بالله استعارة لللوذ بدينه، وتقدّم في قوله: {واعتصموا بحبل الله جميعًا} في سورة [آل عمران 103].
والإدخال في الرحمة والفضل عبارة عن الرضى.
وقوله: {ويهديهم إليه صراطًا مستقيمًا}: تعلَّق الجار والمجرور بـ (يهدي) فهو ظرف لَغو، و{صراطًا} مفعول (يهدي)، والمعنى يهديهم صراطًا مستقيمًا ليصلوا إليه، أي إلى الله، وذلك هو متمنّاهم، إذ قد علموا أنّ وعدهم عنده. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ في رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ}.
{فَسَيُدْخِلُهُمْ في رَحْمَةِ}: والسين للاستقبال أي يحفظ عليهم إيمانهم في المآل عند التوفي، كما أكرمهم بالعرفان والإيمان في الحال.
قوله جلّ ذكره: {وَيَهْدِيَهُمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}.
هذه الهداية هي إكرامهم بأن عرفوا أن هذه الهداية من الله فضل لا لأنهم استوجبوها بطلبهم وجهدهم، ولا بتعبهم وكدِّهم. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)}
لقد آمنوا بالله واعتصموا به، ما معنى الاعتصام؟. قديمًا كان الرجل عندما يقع في هوة يصرخ ليحذبه إنسان خارج الهوة بيده، وهذا هو الأصل في الاعتصام، أي يستمسك الإنسان بمن ينقذه من هاوية أو كارثة، والحق يعطي الأسباب، فإذا جاءت الشمس وسار فيها إنسان فقد أعطاه الله الشجرة ليستظل بها. وإذا ما نزل المطر فيمكن أن نستتر منه بمظلة، وإذا عطش إنسان فالله يعطيه سببًا ليأخذ كوب ماء، والعاقل هو الذي يذكر عند كل سبب من أوجد السبب.
فإياك أيها المؤمن أن تغتر بالأسباب؛ لأن عدم الاغترار بالأسباب يحمي الإنسان. فعندما تأتيه أمور في ظاهرها شر، فمادام مجريها هو الله فهي خير بالتأكيد، لكنك لا تعلم.
وما أضل علم الإنسان في كثير من المسائل؛ فالإنسان قد يحسب أمرا أنّه هو الحسن، فيظهر له بعد حين أنه السوء، وقد يعتبر إنسان أمرا هو السيئ، فيظهر له بعد حين أنه الحسن، ولا يوجد واحد منا إلا وفي حياته أشياء كان يظنها خيرا؛ فإذا بها شر، أو كان يظنها شرًا فإذا بها خير. والشر هو ما يأتيه الإنسان لنفسه بعمله، أما الأمور التي تقع على الإنسان فحكمتها تمشي على مقتضى علم الله لا على مقتضى هوى البشر.
إننا نجد من يقول: إنني أدعو الله بكذا ولا يستجيب لي. ونقول: أنك تدعو بأشياء تظنها الخير لك؛ لكن الله يعلم أن هذه الأشياء ليست هي الخير؛ لذلك لا يعطيها لك، فإن كنت مؤمنًا بالله ومعتصمًا به فأنت تهمس لنفسك: أَلِيَ في هذا الأمر مدخل أم لا مدخل لي فيه؟. فإذا كان لك فيه مدخل فاللوم على نفسك. وإن كان الأمر قد أجراه عليك فهو خير لك ولله حكمة في ذلك.
وحَظِّي من الدنيا سواء لأنني ** رضيت بحكم الله في العسر واليسر

فإن أقبلت كان الجزاء على النجا ** وإن أدبرت كان الجزاء على الصبر

{فَأَمَّا الذين آمَنُواْ بالله واعتصموا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}. وماداموا قد آمنوا بالله واعتصموا بالله واعتصموا به فسيهديهم صراطه المستقيم، وعاقبة الهداية وثمرتها فسرها وبيّنها قوله الحق: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17]
وقال لنا الرسول صلى الله عليه وسلم: «من عمل بما عَلِم ورّثه الله عِلْمَ ما لم يعلم».
أي يصير مأمونًا على العلم؛ لأن العلم الذي أخذه عن الله وظَّفه في خدمة غيره، ولم يدخره أو يعطله. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ}
الِاسْتِنْكَافُ: الِامْتِنَاعُ عَنِ الشَّيْءِ أَنَفَةً وَانْقِبَاضًا مِنْهُ، قِيلَ: أَصْلُهُ مِنْ نَكَفَ الدَّمْعَ: إِذَا نَحَّاهُ عَنْ خَدِّهِ بِأُصْبُعِهِ حَتَّى لَا يَظْهَرَ، وَنَكَفَ مِنْهُ: أَنِفَ، وَأَنْكَفَهُ عَنْهُ: بَرَّأَهُ، وَالْمَعْنَى: لَنْ يَأْنَفَ الْمَسِيحُ، وَلَا يَتَبَرَّأُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ، وَلَا هُوَ بِالَّذِي يَتَرَفَّعُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَمِ خَلْقِ اللهِ بِعَظَمَةِ اللهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ عَلَى الْعُقَلَاءِ مَنْ خَلْقِهِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَالشُّكْرِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْعُبُودِيَّةَ هِيَ أَفْضَلُ مَا يَتَفَاضَلُونَ بِهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لِلَّهِ أَوْ عَنْ عِبَادَتِهِ، أَوْ لَا يَسْتَنْكِفُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ، (كُلُّ تَقْدِيرٍ مِنْ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ صَحِيحٌ يُفْهَمُ مِنَ الْكَلَامِ) عَلَى أَنَّهُمْ أَعْظَمُ مِنَ الْمَسِيحِ خَلْقًا وَأَفْعَالًا، وَمِنْهُمْ رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، الَّذِي بِنَفْخَةٍ مِنْهُ خُلِقَ الْمَسِيحُ، وَبِتَأْيِيدِ اللهِ إِيَّاهُ بِهِ كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ، وَلَوْلَا نَفْخَتُهُ وَتَأْيِيدُهُ لَمَا كَانَ لِلْمَسِيحِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ.
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَالْحَلِيمِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَجُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا جُمْهُورُ الْأَشْعَرِيَّةِ فَيُفَضِّلُونَ الْأَنْبِيَاءَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَوَجْهُ التَّفْضِيلِ أَنَّ السِّيَاقَ فِي رَدِّ غُلُوِّ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ؛ إِذِ اتَّخَذُوهُ إِلَهًا وَرَفَعُوهُ عَنْ مَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ فَالْبَلَاغَةُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ تَقْتَضِي التَّرَقِّيَ فِي الرَّدِّ مِنَ الرَّفِيعِ إِلَى الْأَرْفَعِ، كَمَا تَقُولُ: إِنَّ فُلَانًا التَّقِيَّ لَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ تَقْبِيلِ يَدِهِ الْوَزِيرُ وَلَا الْأَمِيرُ. فَإِذَا بَدَأْتَ بِذِكْرِ الْأَمِيرِ لَمْ يَعُدْ لِذِكْرِ الْوَزِيرِ مَزِيَّةٌ وَلَا فَائِدَةٌ، بَلْ يَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ يَنْدَمِجُ فِي الْأَوَّلِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فَتَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَكَانَ آخَرُ شَوْطِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنْ جَعَلَ غَايَةَ الْآيَةِ تَفْضِيلُ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ عَلَى أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، لَا كُلِّ الْمَلَائِكَةِ عَلَى كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَمَّا الْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ الْمُنِيرِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ عَلَى الْكَشَّافِ بِرَدِّ طَرِيقَةِ التَّرَقِّي وَالتَّفَصِّي مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ عَادَ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ نَفْسِهِ، وَجَزَمَ بِأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ فِي عِظَمِ الْخَلْقِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْعَظِيمَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ الرَّدَّ عَلَى مَنِ اسْتَكْبَرُوا خَلْقَ الْمَسِيحِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وَصُدُورَ بَعْضِ الْآيَاتِ عَنْهُ، فَجَعَلُوهُ إِلَهًا، وَالْمَلَائِكَةُ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، وَيَعْمَلُونَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ آيَاتِ الْمَسِيحِ؛ فَهُمْ بِهَذَا أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَعْظَمُ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَهُوَ كَثْرَةُ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْمُنْصِفُ يَرَى أَنَّ التَّفَاضُلَ فِي هَذَا مِنَ الرَّجْمِ بِالْغَيْبِ، إِذْ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِنَصٍّ مِنَ الشَّارِعِ، وَلَا نَصَّ، وَلَيْسَ لِلْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَائِدَةٌ فِي إِيمَانٍ وَلَا عَمَلٍ، وَلَكِنَّهُ مِنْ تَوْسِيعِ مَسَافَةِ التَّفَرُّقِ بِالْمِرَاءِ وَالْجَدَلِ.
وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ الِاسْتِكْبَارُ: أَنْ يَجْعَلَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ كَبِيرَةً فَوْقَ مَا هِيَ؛ غُرُورًا وَإِعْجَابًا، فَيَحْمِلُهَا بِذَلِكَ عَلَى غَمْطِ الْحَقِّ، سَوَاءٌ كَانَ لِلَّهِ أَوْ لِخَلْقِهِ وَعَلَى احْتِقَارِ النَّاسِ، وَمَعْنَى الْجُمْلَةِ: وَمَنْ يَتَرَفَّعْ عَنْ عِبَادَتِهِ أَنَفَةً وَيَتَبَرَّأُ مِنْهَا، وَيَجْعَلْ نَفْسَهُ كَبِيرَةً فَيَرَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهَا التَّلَبُّسَ بِهَا فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا أَيْ فَسَيَحْشُرُ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَنْكِفِينَ وَالْمُسْتَكْبِرِينَ لِلْجَزَاءِ، مُجْتَمِعِينَ مَعَ غَيْرِ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَالْمُسْتَنْكِفِينَ، الَّذِينَ ذَكَرَ بَعْضَهُمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، فَإِنَّ اللهَ يَحْشُرُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ، فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، كَمَا وَرَدَ، ثُمَّ يُحَاسِبُهُمْ وَيَجْزِيهِمْ عَمَلَهُمْ، كَمَا يَجْزِي غَيْرَهُمْ عَلَى النَّحْوِ الْمُبَيَّنِ فِي قَوْلِهِ:
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ يُعْطِيهِمْ أُجُورَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَعَمَلِهِمُ الصَّالِحِ وَافِيَةً تَامَّةً، كَمَا يَسْتَحِقُّونَ بِحَسْبِ سُنَّتِهِ تَعَالَى فِي تَرْتِيبِ الْجَزَاءِ عَلَى تَأْثِيرِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ فِي النَّفْسِ، وَيَزِيدُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَحْضِ فَضْلِهِ وَجُودِهِ مِنْ عَشْرَةِ أَضْعَافٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى مَا شَاءَ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْمُضَاعَفَةِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا أَيْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا مُؤْلِمًا، كَمَا يَسْتَحِقُّونَ بِحَسْبِ سُنَّتِهِ تَعَالَى أَيْضًا، وَلَكِنْ لَا يَزِيدُهُمْ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ سَبَقَتِ الْغَضَبَ، فَهُوَ تَعَالَى يُجَازِي الْمُحْسِنَ بِالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ، وَيُجَازِي الْمُسِيءَ بِالْعَدْلِ فَقَطْ وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مَنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا أَيْ وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى وَلِيًّا يَتَوَلَّى شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِمْ يَوْمَ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ، وَلَا نَصِيرًا يَنْصُرُهُمْ، فَيَدْفَعُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [82: 19].